حكم الإضراب عن الطعام
أبو براء- مصر
* ما حكم الدين في من يقومون بالإضراب عن الطعام وذلك للتأثير على قرار رؤساء الشركات أو أصحاب القرار مثلاً؟ وما هو الحكم إذا تُوفي مَن حالته هذه..؟ هل يُعتبر منتحرًا (كافرًا) أو ماذا؟! وجزاكم الله خيرًا.
** المفتي: فريق الفتوى بموقع (إخوان أون لاين):
لم يتطرق العلماء السابقون إلى حكم الإضراب بذاته؛ لأن هذه الأحداث لم تكن لتحدث في مجتمعاتهم، وإن كان أبو يعلى والطبراني وغيرهما رَوَوا أن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- قال: "كنت رجلاً برًّا بأمي، فلما أسلمت قالت لي: يا سعد، لتتركن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت، فتعيِّرك العرب فتقول: يا قاتل أمه، فقلت لها: يا أمي، لا تفعلي؛ فإني لا أدع ديني هذا لشيء أبدًا، فمكثَت يومًا وليلةً لا تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثَت يومًا آخر وليلةً وقد اشتدَّ جهدها، فلما رأيت ذلك قلت: والله يا أمي.. لو كان لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت إصراري على ذلك أكلت.. فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ (لقمان: 15).
إذا كان الامتناع عن الطعام يسبِّب ضررًا وهلاكًا للممتنع فهذا لا يجوز، والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة: من الآية 195) وقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ (النساء: من الآية 29)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ".
ومن المعلوم أن تجويع النفس بالإضراب عن الطعام يفضي إلى قتلها بغير حق، وذلك حرام للنهي عنه في هذه الآية، قول الله تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة: من الآية 195)، والإضراب عن الطعام تتعرض فيه النفس للتهلكة وهو منهيٌّ عنه بنص الآية، وفي قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ﴾ (البقرة: من الآية 173)، ثم قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ (البقرة: من الآية 173).. في هذه الآية التي ترخص للمضطَّر الأكل من الميتة ومن لحم الخنزير استبقاء لنفسه وحياته.
النهي عن الوصال في الصوم
روى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال في الصوم، وجاء في رواية للإمام مالك في الموطأ "إياكم والوصال" ثلاث مرات، والوصال متابعة الصيام بحيث يمتد إلى وقت السحر أو أكثر من ذلك يومين أو ثلاثة من دون طعام أو شراب.
وإذا كان الأمر كذلك في صوم الوصال فإن الإضراب عن الطعام ممنوع من باب أولى؛ لما فيه من مشقة وضعف، ومآله الموت.
إباحة الفطر للمريض أو المسافر: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (البقرة: من الآية 185).
وروى الشيخان: "ليس من البر الصيام في السفر"، وحديث البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما النبي- صلى الله عليه وسلم- يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه؟! فقالوا: إنه أبو إسرائيل، نذَر أن يقوم في الشمس ولا يقعد، ولا يستظل ولا يتكلم، ويصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مروه فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه".
أما إن كان الإضراب مجرد امتناع عن بعض أنواع الطعام بما لا يفضي إلى الهلاك والموت، أو لا يؤدي إلى ضرر أكبر من الضرر المراد دفعه ويؤدي إلى تحقيق غرض مباح فلا بأس به.
أما الذي يمتنع عن الطعام والشراب؛ بحيث يؤدي إلى هلاكه وموته ويكون بامتناعه هذا عالمًا قاصدًا مختارًا غير مرغم ثم مات بسبب ذلك فله حكم المنتحر.
0 التعليقات
إرسال تعليق