| 0 التعليقات ]


منـزلية الحسبة في نظام الحكم الإسلامي:



يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( جميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، سواء في ذلك الحرب الكبرى : مثل نيابة السلطنة ، والصغرى مثل ولاية الشرطة ، وولاية الحكم ، أو ولاية المال وهي ولاية الدواوين المالية ) (مجموع الفتاوى 28 / 66) .

وهذه العبارة تصف بدقة منزلة الحسبة في الإسلام ، فجميع الولايات الإسلامية وجدت لهدف تحقيق الحسبة بمعناها العام ، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا بمعناها الخاص وهو الولاية الخاصة التي تسمى ولاية الحسبة ، وهي التي تختص بالأمـر بالمعروف والنهي عن المنكر في نطاق ضيق محدد .

والدليل على أهمية مكانة الحسبة بمعناها العام ، قوله تعالى : ( اْلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي اْلأَرْضِ أَقَامُواْ اْلصَّلاةَ وَءَاتَوُاْ اْلزَّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةِ اْلأُمُورِ ) .


ومعلوم أن الصلاة والزكاة من المعروف الذي يأمر به ، فقد جعل الله تعالى في هذه الآية الغاية النهائيــة من التمكين في الأرض الذي أمر الله به المؤمنين ، وأمر باتخاذ وسائله من الجهاد ونصب الإمام وإقامة الولاية ، هو تحقيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

ولهذا فإن المقصود بالإمامة في الشريعة إقامة الدين ، والدين هو فعل المعروف والأمر به ، وترك المنكر والنهي عنه ، كما قال شيخ الإسلام أيضاً : ( يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ، بل لا قيام للدين ولا للدنيــا إلا بها ) (مجموع الفتاوى 28 /390 ) .

ومعلوم أن الدولة في الإسلام أصل وجودها لتحقيق الحسبة بمعناها العام ، وهي أيضاً أعني الحسبة أمانة في عنق الأمة ، كما قال تعالى : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَونَ عَنِ الْمُنكَرِ ) .

والدولة إذا عطلت هذا الأمر – وهو الأمر الذي نسب إليه نظام الدولة في الإسلام في النصوص التي جاءت بلفظ ) أولى الأمر ) - فقدت أصل مشروعيتها ، بل سبب وجودها الشرعي ، ولهذا جاء في الحديث( رأس الأمر الإسـلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ) ، فـ ( الأمر ) هو الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم المدلول عليه بآية ( اْلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي اْلأرْضِ . . . ) الآية ، ووليه هو القائم عليه الذي يرعاه ويقيمه ، فإن لم يرعه ولم يقمه لم يصلح ولياً له .

والعجب ممن يجعل كل متولٍ على المسلمين بأي شريعة يحكمهم ولي أمر شرعي ، فليت شعري أفلا يتدبر هذا القائل - إن لم يؤت الفقه في الدين – اللفظ الظاهر على أقل تقدير ، فأي ( أمر ) تولاه الحاكم بغير ما أنزل الله تعالى ، حتى يستحق هذا الاسم ، أهو أمر ( دين الإسلام ) أمر الله ورسوله ، أم أمر المناهج الوضعية والنظم الطاغوتية ، ويا للعجب فبأي شريعة يصـح أن يكون متول إقامة الطاغوت حاكماً بين العباد من دون الله تعالى ، ولي أمر المسلمين ، وأي أمر للمسلمين غير دينهم الذي قال الله تعالى عنه مُمتناً عليهم : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ اْلإِسْلاَمَ دِينًا ) وقال : ( وَتَّمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ) ، أي تمت كلمته الشرعية التي تضمنها كتابه المفصل الحاكم بين العابد ، صدقاً في الأخبار ، وعدلاً في الأحكام .

0 التعليقات

إرسال تعليق