| 0 التعليقات ]


النوع الثالث من الحسبة : حسبة الرعية على الرعية :

هذا وقد كانت مسألة ( حكم المظاهرات ) استطراداً جرنا إليه الحديث عن الوسيلة الرابعة من وسائل حسبة الرعية على السلطة ، وقد مضى فيما سبق من هذا البحث الحديث عن حسبة السلطة على الرعية ، ثم حسبة الرعية على السلطة .

وأما النوع الثالث من أنواع الحسبة ، فهي حسبة الرعية على الرعية والمقصود بها نهوض الأمة بهذا الواجب ، واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد اعتنى العلماء بأحكام هذا الفرض العظيم حتى عده بعضهم سادس أركـان الإسلام ، وذكروا في آدابه وأحكامه جملاً كثيرة مأخوذة من نصوص الكتاب والسنة ، ولا ريب أن تكليف الأمة كلهــا لتقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دليل على اختصاصها بأنها أمة حيّة متحركة تسعى لتغير الواقع حولها ليخضع لتعاليم الإسلام .

وأول من يكلف بهذا الفرض أولو الأمر وهم العلماء والأمراء كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمــه الله ( ولذلك كان أولو العلم هم الأمراء والعلماء إذا صلحوا صلح الناس وإذا فسدوا فسد الناس , ولما سألت الأحمسية أبا بكر الصـديق ما بقاءنا على هذا الأمر قال ما استقامت لكم أئمتكم ) ، وهذا النوع من الحسبة لا يسقطه شيء فلا يسقط بعدم وجود الدولة الحاكمــة بالشريعة ولا بعدم قيامها بالحسبة ، أو قيامها به على وجه لا يوافق الشرع ،بل هو حق عام مكفول لأفراد الأمة جميعاً كـل بحسب استطاعته .



قال الإمام النووي رحمه الله :( ومما يتعلق بهذا الأمر أن الرجل والمرأة والعبد والفاسق والصبي المميز يشتركــون في جواز الإقدام على إزالة هذا المنكر وسائر المنكرات ، ويثاب الصبي عليها كما يثاب البالغ ، ولكن إنما تجب إزالته على المكلف القـادر ، قال الغزالي في الإحياء : وليس لأحد منع الصبي من كسر الملاهي وإراقة الخمور وغيرهما من المنكرات ، كما ليس له منــع البالغ ، فإن الصبي وإن يكن مكلفاً ، فهو من أهل القرب وليس هذا من الولايات ، ولهذا يجوز للعبد والمرأة وآحاد الرعيـــة ) روضة الطالبين5/18 .

قال الإمام ابن قدامة في مختصر منهاج القاصدين ص 124 : (واشترط قوم كون المنكر مأذوناً فيه من جهة الإمام أو الوالي , ولم يجيزوا لآحاد الرعية الحسبة ، وهذا فاسد ، لأن الآيات والأخبار عامة تدل على أن كل من رأى منكراً فسكت عنــه عصى ، فالتخصيص بإذن الإمام تحكم ) .

ومن المهم أن ننبه هنا أن باب الحسبة في الفقه الإسلامي ، بني على قاعدة تحصيل المصالح بحسب الإمكان ودفـع المفاسد بحسب الإمكان وتقديم أرجح الأمرين عند التعارض ، وتفويت المصلحة الأدنى لفعل الأعلى عند التزاحــم ، وارتكاب المفسدة الصغرى لدفع الكبرى عند التزاحم .

كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : ( وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات والمستحبات فلا بد أن تكون المصلحة فيه راجحة على المفسدة إذ بهذا بعث الرسل ونزلت الكتب والله لا يحب الفساد بل كل ما أمر الله به فهو صلاح فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم تكن مما أمر الله به ) وقال : ( وجماع ذلك داخل في القاعدة العامـة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد فإن الأمر والنهي وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكون مأموراً به بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو ميزان الشريعة فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنه وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر ) الحسبة ص 63 .

هذا ، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

حامد بن عبدالله العلي

0 التعليقات

إرسال تعليق