هذا وقد منع بعض المعاصرين استعمال هذه الوسائل العصرية التي تسمى وسائل الاحتجاج السلمي كالإضراب والاعتصام والمسيرة السلمية مطلقاً ، وقبل أن ننقد هذا الرأي الذي نراه مجانباً للصواب من جهة إطلاقه ، نذكر قاعدة اتفق عليها العلمـاء ، وحاصلها أنه لا يصح في مناهج أهل التحقيق الخوض في الأحكام الشرعية ، قبل تفصيل القول في الألقاب والأسمـاء التي تتعلق بها هذه الأحكام ، وتبيين ما كان منها من مجمل يحتمل عدة معان حتى لا تشتبه الأحكام المختلفة ، لاشتباه معاني متعلقاتها .
فعلى سبيل المثال لفظ المظاهرات ، قد حدث فيه اشتباه بسبب الإجمال ، فهو ربما أطلق وأريد به إثارة الشغب والفوضى والفساد ، وغالب ما يتبادر إلى ذهن العامة هذا المعنى ، ويطلق ويراد به أي صورة من صور التجمهر ولو لم يكن فيه غير الاعتصام في موضع معين ، ويطلق ويراد به اجتماع الناس لسماع الخطب وما يسمى هذه الأيام المهرجان الخطابي ، ويطلق ويراد به ما يسمى المسيرة السلمية وهي أن يخرج الناس يسيرون بأعداد كبيرة للاحتجاج على أمر ما أو المطالبة بأمر ما ، وقد تكون على صورة اتباع جنازة يتعمد متبعوها أن يسار بها علناً لمسافة طويلة ويحشد لاتباعها عدد كبير من المشيعين في رسالة احتجاج تتعلق بحدث اقترن بهذه الجنازة ، وكل هذه الصور قد تحدث بإذن السلطات أو بغير ذلك ، بل قد تكون بأمر السلطات ، وقد تحدث في بلاد الإسلام تحت إمامة شرعية ، وقد لا تكون كذلك ، بل تكون في أرض العدو الذي لا يمكن قتاله بالسلاح كما في فلسطين ، أو في بلاد الكفـار الذين اعتادوا على ذلك وسمحوا به مثل بلاد الغرب .
وقد تصاحبها المنكرات كاختلاط الرجال والنساء لأنها مما لا يمكن السيطرة عليها ، وقد يترتب عليها مفسدة راجحـة ، وقد يحدث الضد ، فيترتب عليها مصالح عظيمة للدعوة .
وبعضها يقصد به إثارة الشغب والفوضى ويستعمل فيها العنف – كما أشرنا- لإسقاط النظام أو إسقاط الثقة به ليؤدي إلى الثورة ضده .
وغالبها يقصد بها استحثاث وسائل الإعلام ، لاستدعاء الرأي العام العالمي أو المحلي لقضية يرى أصحابهــا أنها لا تحظى بالاهتمام المطلوب الذي يتوقع أن يؤدي إلى حلها ، وغالباً ما يحدث هذا النوع في الأنظمة التي تسمح بوسائل الاحتجاج السلمية مثل الكويت ، فقد نصت المادة 44 من دستورها على ذلك صراحة .
والمقصود أن هذه صور مختلفة جداً ولا يجوز البتة في النظر الفقهي الصحيح أن يطلق حكم واحد علــى جميع ما يحتمله اللفظ العام من الصور والمعاني مع اختلاف أحوالها، إذا كان مناط التحريم أو الإباحة يختلف باختلاف تلك الصور .
ولا أريد أن أتعرض هنا لمظاهرات العنف فإن تحريمها ما لم تكن ضد عدو في أرض حرب مثل الأرض المحتلة في فلسطين وما يشبهها ، وما في حكمها مثل الخروج على الحاكم الكافر ، وتحريمها واضح لا يحتاج إلى بيان ، وإنما المقصود مناقشــة من يحرمها مطلقاً وان كانت سلمية مقصدها إعلامي يهدف إلى ممارسة الضغط المعنوي فحسب .
هذا وقد سلك المحرِّمون لهذه الوسائل وإن كانت سلمية يسمح بها النظام ثلاث طرق :
الأولى : دخولها في عموم النصوص المحرمة للتشبه بالكفار .
الثانية : دخولها في عموم النصوص المحرمة للإحداث في الدين لأنها لم توجد في العصر الأول .
الثالثة : الاحتجاج بقاعدة سد الذرائع ، إذ هذه الوسائل ذريعة لوقوع منكر أكبر مما يراد إزالته بها غالبـا ، ومعلوم أن الحكم إنما يعلق على غالب الأحوال لأنه مثار غالب الظن الذي تنبني عليه أحكام الفروع .
أما الطريق الأولى : فالاحتجاج بها ضرب من الغفلة عند أهل التحقيق ذلك أن الوسائل والصناعات والعادات المحضــة ونحوها ، إذا عمت في الناس يفعلها المسلمون والكفار ، ولم تختص بالكفار بحيث تصير شعاراً لهم خاصة دون غيرهم ، فإنها لا تدخل في تحريم التشبه بالكفار إذ لا يتحقق فيها هذا المعنى ، ولا يصدق عليها اللفظ والمبنى .
فعلى سبيل المثال لفظ المظاهرات ، قد حدث فيه اشتباه بسبب الإجمال ، فهو ربما أطلق وأريد به إثارة الشغب والفوضى والفساد ، وغالب ما يتبادر إلى ذهن العامة هذا المعنى ، ويطلق ويراد به أي صورة من صور التجمهر ولو لم يكن فيه غير الاعتصام في موضع معين ، ويطلق ويراد به اجتماع الناس لسماع الخطب وما يسمى هذه الأيام المهرجان الخطابي ، ويطلق ويراد به ما يسمى المسيرة السلمية وهي أن يخرج الناس يسيرون بأعداد كبيرة للاحتجاج على أمر ما أو المطالبة بأمر ما ، وقد تكون على صورة اتباع جنازة يتعمد متبعوها أن يسار بها علناً لمسافة طويلة ويحشد لاتباعها عدد كبير من المشيعين في رسالة احتجاج تتعلق بحدث اقترن بهذه الجنازة ، وكل هذه الصور قد تحدث بإذن السلطات أو بغير ذلك ، بل قد تكون بأمر السلطات ، وقد تحدث في بلاد الإسلام تحت إمامة شرعية ، وقد لا تكون كذلك ، بل تكون في أرض العدو الذي لا يمكن قتاله بالسلاح كما في فلسطين ، أو في بلاد الكفـار الذين اعتادوا على ذلك وسمحوا به مثل بلاد الغرب .
وقد تصاحبها المنكرات كاختلاط الرجال والنساء لأنها مما لا يمكن السيطرة عليها ، وقد يترتب عليها مفسدة راجحـة ، وقد يحدث الضد ، فيترتب عليها مصالح عظيمة للدعوة .
وبعضها يقصد به إثارة الشغب والفوضى ويستعمل فيها العنف – كما أشرنا- لإسقاط النظام أو إسقاط الثقة به ليؤدي إلى الثورة ضده .
وغالبها يقصد بها استحثاث وسائل الإعلام ، لاستدعاء الرأي العام العالمي أو المحلي لقضية يرى أصحابهــا أنها لا تحظى بالاهتمام المطلوب الذي يتوقع أن يؤدي إلى حلها ، وغالباً ما يحدث هذا النوع في الأنظمة التي تسمح بوسائل الاحتجاج السلمية مثل الكويت ، فقد نصت المادة 44 من دستورها على ذلك صراحة .
والمقصود أن هذه صور مختلفة جداً ولا يجوز البتة في النظر الفقهي الصحيح أن يطلق حكم واحد علــى جميع ما يحتمله اللفظ العام من الصور والمعاني مع اختلاف أحوالها، إذا كان مناط التحريم أو الإباحة يختلف باختلاف تلك الصور .
ولا أريد أن أتعرض هنا لمظاهرات العنف فإن تحريمها ما لم تكن ضد عدو في أرض حرب مثل الأرض المحتلة في فلسطين وما يشبهها ، وما في حكمها مثل الخروج على الحاكم الكافر ، وتحريمها واضح لا يحتاج إلى بيان ، وإنما المقصود مناقشــة من يحرمها مطلقاً وان كانت سلمية مقصدها إعلامي يهدف إلى ممارسة الضغط المعنوي فحسب .
هذا وقد سلك المحرِّمون لهذه الوسائل وإن كانت سلمية يسمح بها النظام ثلاث طرق :
الأولى : دخولها في عموم النصوص المحرمة للتشبه بالكفار .
الثانية : دخولها في عموم النصوص المحرمة للإحداث في الدين لأنها لم توجد في العصر الأول .
الثالثة : الاحتجاج بقاعدة سد الذرائع ، إذ هذه الوسائل ذريعة لوقوع منكر أكبر مما يراد إزالته بها غالبـا ، ومعلوم أن الحكم إنما يعلق على غالب الأحوال لأنه مثار غالب الظن الذي تنبني عليه أحكام الفروع .
أما الطريق الأولى : فالاحتجاج بها ضرب من الغفلة عند أهل التحقيق ذلك أن الوسائل والصناعات والعادات المحضــة ونحوها ، إذا عمت في الناس يفعلها المسلمون والكفار ، ولم تختص بالكفار بحيث تصير شعاراً لهم خاصة دون غيرهم ، فإنها لا تدخل في تحريم التشبه بالكفار إذ لا يتحقق فيها هذا المعنى ، ولا يصدق عليها اللفظ والمبنى .
فالوسائل – ما لم تكن محرمة بعينها أو صارت شعاراً للكفار دون سواهم – فلا بأس من الاستفادة منها في مقاصد الشريعة ، كما أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في النفع الذي يفعله المسلم والكافر كالبناء والخياطة والنسيج والصناعة ونحو ذلك أنه يجوز أخذه من غير المسلم , ينظر الفتاوى 30/206 ، وذكر أنه لهذا أجاز المسلمون استعمال القوس الفارسية بعد فتح فارس في عهد عمر رضي الله عنه لأنهم وجدوها أفضل من العربية ، وكذلك كان الصحابة ومن بعدهـم من المسلمين يلبسون الملابس التي وردت من بلاد الكفار ، وقد استفادوا بعد الفتح بعض التنظيمات الإدارية من الكفار ، ينظـر التفسير الكبير لابن تيميه 7/547 ،548 وينظر أيضاً مجموع الفتاوى 31/85 .
ومعلوم أن الصناعات والتنظيمات الإدارية – على سبيل المثال – التي أنشأها غير المسلمين ، قد تصير وسائل لإنكار المنكر والدعوة إلى الله تعالى ، وفي هذا العصر تداخلت الوسائل الإدارية والمادية التي تنظم شؤون الناس بصورة لم يسبق لها مثيل ، ولا يكاد شيء منها يختص بجنس من البشر حتى يقال أنه من عمل الكفار دون المسلمين ، ولهذا تجد المانعين لمثل هذه الوسائل ( المظاهــرات السلمية ونحوها ) محتجين بأنها تشبه بالكفار لابد أن يتناقضوا تناقضاً بيناً ، فهم يستعملون من الوسائل الحادثة ما لا يعد كثـرة حتى ما ورد في أصله التحريم مثل التصوير ونحو ذلك ويجيزونه في بعض وسائل الدعوة ، بل ما يسمى فن الصحافة إنما نشأ في بلاد الكفار ثم عم في الناس ، وسائر وسائل الإعلام وفنونه التي أضحت اليوم من أهم وسائل الدعوة ، يستعملون هذه الوسائــل الحادثة التي اخترعها غير المسلمين وانتشرت فيهم قبل أن تصل إلى بلاد الإسلام ، ثّمَّ يحرمون وسائل الاحتجاج في العمـل النقابي لأنها من بلاد الكفار فتأمل هذا التناقص العجيب .
فضلاً عن استعمال بعض هؤلاء المتناقضين الذين يحرمون الشيء ، ويبيحون لأنفسهم نظيره ، النظم الإدارية التي أحدثها غير المسلمين ، حتى تنظيماتهم الدعوية وما تستدعي من نظم داخلية ، وبعض هؤلاء المتناقضين يستبيح لنفسه طلب علوم الشرع في بلاد الكفرة وفي جامعات النصارى لِيُزَكُّوُهُ في علم شريعة الإسلام !! وبعضهم لا يرى غضاضة في دراسة الشريعة بنظـام الماجستير والدكتوراه وهو في الأصل نظام أحدثه غير المسلمين ، وغيرهم يرى وجوب دخول البرلمانات التي هي أوروبية المنشـأ ، وغير ذلك من الصور ما لا يحصى ، والصواب أن هذا كله داخل فيما يباح بالبراءة الأصلية ، فإن صار وسيلة لخير أو شر دخل في قاعــدة الوسائل لها حكم المقاصد ، وإنما لم تدخل هذه الوسائل في عموم النهي عن التشبه بالكفار لأنها ليست شعاراً لهم ولا مختصـة بهم ، بل عامة في الناس يفعلها المسلم والكافر في جميع بقاع الأرض وقد صارت من جنس الصناعات ، وما كان مختصاً بهم قـــد يجوز للضرورة أو لارتكاب أخف الضررين أيضاً .
ومعلوم أن الصناعات والتنظيمات الإدارية – على سبيل المثال – التي أنشأها غير المسلمين ، قد تصير وسائل لإنكار المنكر والدعوة إلى الله تعالى ، وفي هذا العصر تداخلت الوسائل الإدارية والمادية التي تنظم شؤون الناس بصورة لم يسبق لها مثيل ، ولا يكاد شيء منها يختص بجنس من البشر حتى يقال أنه من عمل الكفار دون المسلمين ، ولهذا تجد المانعين لمثل هذه الوسائل ( المظاهــرات السلمية ونحوها ) محتجين بأنها تشبه بالكفار لابد أن يتناقضوا تناقضاً بيناً ، فهم يستعملون من الوسائل الحادثة ما لا يعد كثـرة حتى ما ورد في أصله التحريم مثل التصوير ونحو ذلك ويجيزونه في بعض وسائل الدعوة ، بل ما يسمى فن الصحافة إنما نشأ في بلاد الكفار ثم عم في الناس ، وسائر وسائل الإعلام وفنونه التي أضحت اليوم من أهم وسائل الدعوة ، يستعملون هذه الوسائــل الحادثة التي اخترعها غير المسلمين وانتشرت فيهم قبل أن تصل إلى بلاد الإسلام ، ثّمَّ يحرمون وسائل الاحتجاج في العمـل النقابي لأنها من بلاد الكفار فتأمل هذا التناقص العجيب .
فضلاً عن استعمال بعض هؤلاء المتناقضين الذين يحرمون الشيء ، ويبيحون لأنفسهم نظيره ، النظم الإدارية التي أحدثها غير المسلمين ، حتى تنظيماتهم الدعوية وما تستدعي من نظم داخلية ، وبعض هؤلاء المتناقضين يستبيح لنفسه طلب علوم الشرع في بلاد الكفرة وفي جامعات النصارى لِيُزَكُّوُهُ في علم شريعة الإسلام !! وبعضهم لا يرى غضاضة في دراسة الشريعة بنظـام الماجستير والدكتوراه وهو في الأصل نظام أحدثه غير المسلمين ، وغيرهم يرى وجوب دخول البرلمانات التي هي أوروبية المنشـأ ، وغير ذلك من الصور ما لا يحصى ، والصواب أن هذا كله داخل فيما يباح بالبراءة الأصلية ، فإن صار وسيلة لخير أو شر دخل في قاعــدة الوسائل لها حكم المقاصد ، وإنما لم تدخل هذه الوسائل في عموم النهي عن التشبه بالكفار لأنها ليست شعاراً لهم ولا مختصـة بهم ، بل عامة في الناس يفعلها المسلم والكافر في جميع بقاع الأرض وقد صارت من جنس الصناعات ، وما كان مختصاً بهم قـــد يجوز للضرورة أو لارتكاب أخف الضررين أيضاً .
هذا مع أنه لا يسلم البتة – كما سيأتي بيانه بالأدلة والوقائع التاريخية – أن هذه الوسائل الاحتجاجية السلمية لم يعرفهـا المسلمون في تاريخهم ، بل هو خطأ محض لا يقوله من يعرف التاريخ الإسلامي، ولا من تأمل في سنن الحياة ، إذ لا معنى لاختصاص الكفار بأمر يتولد من النظام الاجتماعي نفسه , وتستدعيه نفس طبائع آدم في اجتماعهم .
الطريقة الثانية : التي اعتمد عليها من حرم المظاهرات وغيرها من الوسائل السلمية في الاحتجاج أو التعبير عن الرأي هي دخولها في عموم النصوص الناهية عن الإحداث في الدين لأنها لم تكن في العصر الأول ، ولنا مسلكان في إبطال هذه الطرق :
الأول : إبطال الحجة من رأسها ببيان أن الوسائل العصرية التي يتوصل بها إلى الدعوة وإنكار المنكرات لا تدخل في الإحداث في الدين .
الثاني : بيان أن هذه الوسائل كانت في العصور الأولى بل نص عليها بعض الأئمة ، واشتهرت ولم تنكر ، فدل على أنها ليست محدثة أصلاً .
أما المسلك الأول : فحاصله إن الإحداث في الدين يقصد به عند العلماء التقرب إلى الله تعالى بعبادة لم يشرعها ، وهـي البدع التي عَظُمَ نكِيْرُ السلف على فاعلها والتحذير منها ، حتى عدّوها أشد خطراً من الكبائر ، وهي نوعان : أصلية وهي إحداث عبادة ليست مشروعة أصلاً مثل إقامة المناحات في ذكرى موت الصالحين والمولد ونحو ذلك ، وإضافية مثل تخصيص فضل لمكان أو زمان أو هيئة في عبادة مشروعة في الأصل ، لكن بلا دليل على التخصيص مثل تعيين فضل للدعاء عند قبور الصالحين أو الذكـر الجماعي على هيئة معينة وإن كان الدعاء والذكر مشروعين بالأصل .
أما الوسائل التي يتوصل بها لأداء الواجب المطلق – وهو الذي لم يأت الشرع بتحديد كيفية أدائه على صورة مخصوصة مثل الجهاد وقيام الإمامة بإصلاح شؤون الرعية ، والدعوة إلى الله تعالى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإحسان إلى الناس وبر الوالدين ونحو ذلك – أو التي تتعلق بالعبادة تعلق الوسائل فحسب ، فلا تدخل في الإحداث في الدين ، لأنها لا يقصد بهــا التقرب بها بخصوصها وإنما تستعمل لأداء الواجب أو غيره من باب الوسائل ، فلو تغير الزمان أو المكان تغيرت ، فهي غير مقصوده لذاتها .
الطريقة الثانية : التي اعتمد عليها من حرم المظاهرات وغيرها من الوسائل السلمية في الاحتجاج أو التعبير عن الرأي هي دخولها في عموم النصوص الناهية عن الإحداث في الدين لأنها لم تكن في العصر الأول ، ولنا مسلكان في إبطال هذه الطرق :
الأول : إبطال الحجة من رأسها ببيان أن الوسائل العصرية التي يتوصل بها إلى الدعوة وإنكار المنكرات لا تدخل في الإحداث في الدين .
الثاني : بيان أن هذه الوسائل كانت في العصور الأولى بل نص عليها بعض الأئمة ، واشتهرت ولم تنكر ، فدل على أنها ليست محدثة أصلاً .
أما المسلك الأول : فحاصله إن الإحداث في الدين يقصد به عند العلماء التقرب إلى الله تعالى بعبادة لم يشرعها ، وهـي البدع التي عَظُمَ نكِيْرُ السلف على فاعلها والتحذير منها ، حتى عدّوها أشد خطراً من الكبائر ، وهي نوعان : أصلية وهي إحداث عبادة ليست مشروعة أصلاً مثل إقامة المناحات في ذكرى موت الصالحين والمولد ونحو ذلك ، وإضافية مثل تخصيص فضل لمكان أو زمان أو هيئة في عبادة مشروعة في الأصل ، لكن بلا دليل على التخصيص مثل تعيين فضل للدعاء عند قبور الصالحين أو الذكـر الجماعي على هيئة معينة وإن كان الدعاء والذكر مشروعين بالأصل .
أما الوسائل التي يتوصل بها لأداء الواجب المطلق – وهو الذي لم يأت الشرع بتحديد كيفية أدائه على صورة مخصوصة مثل الجهاد وقيام الإمامة بإصلاح شؤون الرعية ، والدعوة إلى الله تعالى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإحسان إلى الناس وبر الوالدين ونحو ذلك – أو التي تتعلق بالعبادة تعلق الوسائل فحسب ، فلا تدخل في الإحداث في الدين ، لأنها لا يقصد بهــا التقرب بها بخصوصها وإنما تستعمل لأداء الواجب أو غيره من باب الوسائل ، فلو تغير الزمان أو المكان تغيرت ، فهي غير مقصوده لذاتها .
وفي هذا الباب أمثلة كثيرة ، ففي أحكام الأذان مثلاً : استعمال مكبرات الصوت ورفعها على المآذن لإسماع الناس بعد أن علت الدُور وتباعدت واحتيج إلى تبليغ الصوت ، وفي الصلاة : مثل استعمال البوصلة الحديثة لمعرفة القبلة ، وكما وضعت خطوط قوسيّة مؤخراً في المسجد الحرام يستدل بها الذي لا يرى الكعبة على اتجاه القبلة لأنه يجب عليه استقبال عينها في المسجد الحـرام ، وفي الزكاة : حسابها بالوسائل العصرية وإخراجها بها مثل الخصم الحسابي بالأقساط قبل الحول شهريا تيسيراً على مخرجها ، لأنـه يجوز تعجيل إخراجها على الصحيح ، وفي الحج : مثل إنشاء الطابق الثاني في المسجد الحرام للطواف والسعي ورمي الجمرات ، وفي الجهاد : مثل وسائل الجهاد العصرية التي لم تكن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كوسائل الاستخبارات العسكرية المتطورة والسلاح ، ونظم إدارة الجيوش ومراتب الجند ونحوها للقيام بالجهاد في أكمل صوره .
وفي باب الدعوة إلى الله تعالى : مثل استعمال الإعلام والصحافة واضطرار الدعاة أحياناً إلى استعمال الصــور لإيضاح أحوال المسلمين واستحثاث الناس لإعانتهم ، وفي طلب العلم الشرعي : مثل مسابقات تحفيظ القرآن وغيرها مما يقصد به حــث الناس على العلم الشرعي ، ومثل جعل طلب العلوم الشرعية على نظام الكليات الحديثة والطرق العصرية التي لم تعرف في العصر الأول ، وفي إنكار المنكرات : قد أفتى أجلة العلماء بجواز دخول الدعاة المجالس النيابية في البلاد التي تجعل للشعب سلطـة الرقابة على النظام ومحاسبته وتشرك الشعب في اتخاذ القرارات ، وإنما يتحقق ذلك بالتصويت والانتخابات العصرية ، وكذلك دخــول نقابات العمال واتحادات الطلبة ونحوها ، وكلها وسائل حادثة يقصد بها تحقيق مقاصد الدعوة الإسلامية ، وكذلك الوسائل العصرية في مكافحة الجريمة ، وتتبع المجرمين وكشفهم وهو من باب إنكار المنكر المأمور به شرعاً ويدخل في هذه البصمات اليدوية والوراثية وأحماض الدم وحتى الكلاب البوليسية ، وغيرها من الوسائل الحديثة في مكافحة الجريمة ، ومعلوم أن مكافحة الجريمة من إنكار المنكر ، بل ولاية الدولة كلها إنما المقصود بها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما بينا .
والأمثلة لا تحصى في هذا الباب ، وكل هذه الوسائل لم تكن في العصر الأول ، وكل ذلك لا يدخل في الإحداث في الدين ، ولا يفتي بذلك من يعرف مقاصد الشريعة ولا من يعلم قواعد الفقه وأصوله التي تنبني عليها الأحكام ، ولهذا يفرق العلماء بين ابتداع ذكر على هيئة مخصوصة لم تشرع وبأذكار مخترعة لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو السماع الصوفي ، ويجعلون كل ذلك بدعة ، وبين استعمال وسيلة السبحة لِعَد الأذكار المشروعة والواردة في السنة ، ولشيخ الإسلام فتوى مشهورة بإباحة السبحة لأنها من باب الوسائل ، وإن كان في ذلك خلاف مشهور لكن المقصود أنه لا ينكر على فاعله ، كما يفرّقون بين الزيادة على ألفاظ الأذان لأنها بدعة ، وبين استعمال المآذن العالية وسيلة لتبليغ الصوت كما في الحرمين فهو مشروع ، ويفرقون بين الزيادة على خطبتي الجمعة خطبة ثالثة أو صلاة الظهر بعدها فهما بدعتان ، وبين جعل المنبر أكثر من ثلاث درجات إن احتيــج إلى ذلك لكثرة الناس فهو مشروع وكذا أن تكون الخطبة بِلُغَةِ المصلين إذا لم يكونوا من العرب فهو مشروع مع أنه لم يفعل علـــى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .
وحتى في باب الإمامة العظمى ينبغي التفريق بين بدعة توريثها على سبيل المثال ، وبين استعمال وسائـــل أكثر فاعلية لانتخاب وبيعة الإمام وتنظيم سلطات الدولة ، لضمان سلامة أداءها لواجباتها ، فهذه وسائل تتبع حكم مقاصدها ، وتلك - توريث الإمامة العظمى – بدعة لا تجوز إلا لدفع ضرر أكبر كخشية وقوع نزاع يفضي إلى فتنة بين المسلمين وضرب وحدة الأمة .
والمقصود أن الأمثلة لا تحصى والتفريق بين الأمرين :( البدعة المحرمة والوسائل التي لها حكم مقاصدها ) لا بد منه شرعاً وعقلاً ، بل لو حرمت كل وسيلة عصرية يتوصل بها إلى أداء ما أمر الله تعالى به أو ندب إليه ، لكان ذلك من الضلال المبين والجناية على الدين ، بل تحريم هذه الوسائل في حد ذاته بدعة شنيعة .
والقاعدة في هذا الباب أن الوسائل التي يتوصل بها إلى امتثال الشرع لا تمنع لمجرد كونها لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو عصر السلف ، لأنها قد لا توجد لعدم المقتضى حينئذ لفعلها في عهده صلى الله عليه وسلم ، إما لأنهــا لم في ذلك الزمان أصلاً ، أو لعدم الحاجة إليها في ذلك العصر , أو لوجود مانع من ذلك , كما قال شيخ الإسلام ابن تيميـــة رحمه الله تعالى : ( وهذا باب واسع بسطناه في غير هذا الموضع وميزنا بين السنة والبدعة وبينا أن السنة هي ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ورسوله ، فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فُعل على زمانه أو لم يفعله ولم يفعل على زمانه لعدم المقتضى حينئذ لفعله أو لوجود المانع منه ) مجموع الفتاوى 21/381 .
وانطلاقاً من هذا الفهم الدقيق استعمل الصحابة وعلى رأسهم عمر رضي الله عنه وسائل لم تكن على زمن التنزيل إن لم يرد فيها نص مانع ، كما أنشأ عمر الدواوين وكما جعل دية قتل الخطأ على أهل الديوان وجعلهم العاقلة بدل العصبة ، وكان فقهه رضي الله عنه قائم على هذا الفهم السديد للشريعة ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( فإن جند الشام كتبوا إلى عمر رضي الله عنه : أنَّا إذا لقينا العدو ورأيناهم قد كفروا – أي : غطوا أسلحتهم بالحرير – وجدنا لذلك رعباً في قلوبنا ، فكتب إليهم عمر : وأنتم فكفروا أسلحتكم كما يكفرون أسلحتهم ) مجموع الفتاوى 28/27 ، ولم يقل عمر إنه تشبه بالكفار ولا قال لم يكن ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع أن لبس الحرير قد ورد فيه النهي ، غير أن الفقهاء أجازوه للضـرورة في القتال ولهم قولان في لبسه لإرهاب العدو ، وإنما لم يقل عمر رضي الله ذلك لأنه من باب الوسائل وما كان كذلك لا يكون مــن الإحداث في الدين , كما أنه يباح للمصلحة الراجحة ، كرؤية المخطوبة ونحو ذلك مما عرف مواضعه في الفقه ، وكما جمع الصحابة المصحف ، وكما أمر عثمان بتحريق المصاحف إلا واحداً درء للفتنة .
وفي باب الدعوة إلى الله تعالى : مثل استعمال الإعلام والصحافة واضطرار الدعاة أحياناً إلى استعمال الصــور لإيضاح أحوال المسلمين واستحثاث الناس لإعانتهم ، وفي طلب العلم الشرعي : مثل مسابقات تحفيظ القرآن وغيرها مما يقصد به حــث الناس على العلم الشرعي ، ومثل جعل طلب العلوم الشرعية على نظام الكليات الحديثة والطرق العصرية التي لم تعرف في العصر الأول ، وفي إنكار المنكرات : قد أفتى أجلة العلماء بجواز دخول الدعاة المجالس النيابية في البلاد التي تجعل للشعب سلطـة الرقابة على النظام ومحاسبته وتشرك الشعب في اتخاذ القرارات ، وإنما يتحقق ذلك بالتصويت والانتخابات العصرية ، وكذلك دخــول نقابات العمال واتحادات الطلبة ونحوها ، وكلها وسائل حادثة يقصد بها تحقيق مقاصد الدعوة الإسلامية ، وكذلك الوسائل العصرية في مكافحة الجريمة ، وتتبع المجرمين وكشفهم وهو من باب إنكار المنكر المأمور به شرعاً ويدخل في هذه البصمات اليدوية والوراثية وأحماض الدم وحتى الكلاب البوليسية ، وغيرها من الوسائل الحديثة في مكافحة الجريمة ، ومعلوم أن مكافحة الجريمة من إنكار المنكر ، بل ولاية الدولة كلها إنما المقصود بها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما بينا .
والأمثلة لا تحصى في هذا الباب ، وكل هذه الوسائل لم تكن في العصر الأول ، وكل ذلك لا يدخل في الإحداث في الدين ، ولا يفتي بذلك من يعرف مقاصد الشريعة ولا من يعلم قواعد الفقه وأصوله التي تنبني عليها الأحكام ، ولهذا يفرق العلماء بين ابتداع ذكر على هيئة مخصوصة لم تشرع وبأذكار مخترعة لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو السماع الصوفي ، ويجعلون كل ذلك بدعة ، وبين استعمال وسيلة السبحة لِعَد الأذكار المشروعة والواردة في السنة ، ولشيخ الإسلام فتوى مشهورة بإباحة السبحة لأنها من باب الوسائل ، وإن كان في ذلك خلاف مشهور لكن المقصود أنه لا ينكر على فاعله ، كما يفرّقون بين الزيادة على ألفاظ الأذان لأنها بدعة ، وبين استعمال المآذن العالية وسيلة لتبليغ الصوت كما في الحرمين فهو مشروع ، ويفرقون بين الزيادة على خطبتي الجمعة خطبة ثالثة أو صلاة الظهر بعدها فهما بدعتان ، وبين جعل المنبر أكثر من ثلاث درجات إن احتيــج إلى ذلك لكثرة الناس فهو مشروع وكذا أن تكون الخطبة بِلُغَةِ المصلين إذا لم يكونوا من العرب فهو مشروع مع أنه لم يفعل علـــى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .
وحتى في باب الإمامة العظمى ينبغي التفريق بين بدعة توريثها على سبيل المثال ، وبين استعمال وسائـــل أكثر فاعلية لانتخاب وبيعة الإمام وتنظيم سلطات الدولة ، لضمان سلامة أداءها لواجباتها ، فهذه وسائل تتبع حكم مقاصدها ، وتلك - توريث الإمامة العظمى – بدعة لا تجوز إلا لدفع ضرر أكبر كخشية وقوع نزاع يفضي إلى فتنة بين المسلمين وضرب وحدة الأمة .
والمقصود أن الأمثلة لا تحصى والتفريق بين الأمرين :( البدعة المحرمة والوسائل التي لها حكم مقاصدها ) لا بد منه شرعاً وعقلاً ، بل لو حرمت كل وسيلة عصرية يتوصل بها إلى أداء ما أمر الله تعالى به أو ندب إليه ، لكان ذلك من الضلال المبين والجناية على الدين ، بل تحريم هذه الوسائل في حد ذاته بدعة شنيعة .
والقاعدة في هذا الباب أن الوسائل التي يتوصل بها إلى امتثال الشرع لا تمنع لمجرد كونها لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو عصر السلف ، لأنها قد لا توجد لعدم المقتضى حينئذ لفعلها في عهده صلى الله عليه وسلم ، إما لأنهــا لم في ذلك الزمان أصلاً ، أو لعدم الحاجة إليها في ذلك العصر , أو لوجود مانع من ذلك , كما قال شيخ الإسلام ابن تيميـــة رحمه الله تعالى : ( وهذا باب واسع بسطناه في غير هذا الموضع وميزنا بين السنة والبدعة وبينا أن السنة هي ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ورسوله ، فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فُعل على زمانه أو لم يفعله ولم يفعل على زمانه لعدم المقتضى حينئذ لفعله أو لوجود المانع منه ) مجموع الفتاوى 21/381 .
وانطلاقاً من هذا الفهم الدقيق استعمل الصحابة وعلى رأسهم عمر رضي الله عنه وسائل لم تكن على زمن التنزيل إن لم يرد فيها نص مانع ، كما أنشأ عمر الدواوين وكما جعل دية قتل الخطأ على أهل الديوان وجعلهم العاقلة بدل العصبة ، وكان فقهه رضي الله عنه قائم على هذا الفهم السديد للشريعة ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( فإن جند الشام كتبوا إلى عمر رضي الله عنه : أنَّا إذا لقينا العدو ورأيناهم قد كفروا – أي : غطوا أسلحتهم بالحرير – وجدنا لذلك رعباً في قلوبنا ، فكتب إليهم عمر : وأنتم فكفروا أسلحتكم كما يكفرون أسلحتهم ) مجموع الفتاوى 28/27 ، ولم يقل عمر إنه تشبه بالكفار ولا قال لم يكن ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع أن لبس الحرير قد ورد فيه النهي ، غير أن الفقهاء أجازوه للضـرورة في القتال ولهم قولان في لبسه لإرهاب العدو ، وإنما لم يقل عمر رضي الله ذلك لأنه من باب الوسائل وما كان كذلك لا يكون مــن الإحداث في الدين , كما أنه يباح للمصلحة الراجحة ، كرؤية المخطوبة ونحو ذلك مما عرف مواضعه في الفقه ، وكما جمع الصحابة المصحف ، وكما أمر عثمان بتحريق المصاحف إلا واحداً درء للفتنة .
وكل من جرب القضاء والفُتيا العامة ، وفي النوازل تيقن ما ذكرناه هنا، ولهذا لا يسلــــم من يحرم الوسائل العصرية للاحتجاج الجماعي بحجة أنها محدثة من تناقض أيضاً ، فتجده يجيز ما لا يحصى من وسائل الدعوة وتحصيل العلم والجهاد وغيرها مما لم يكن في العصر الأول فإذا جاء إلى هذه الوسيلة حرمها لأنها لم تكن في العصر الأول فيا للعجب .
وأما المسلك الثاني : فالتاريخ الإسلامي حافل منذ العصور الأولى بشواهد القيام الجماعي لإنكار المنكر ، والعجب كــل العجب ممن ينكر هذا مع استفاضته ، ويَدَّعِى أن السلف لم يفعلوا شيئاً منه ، ومن ذلك :
أن الإمام أحمد رحمه الله كان يفتي بأن يجتمع الناس لإنكار المنكر للتهويل والتشهير بالمنكر وأهله ، فقــد روى الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن محمد بن أبي حرب قال : سألت أبا عبدالله عن الرجل يسمع المنكر في دار بعض جيرانه ، قال : يأمره , قلت : فإن لم يقبل ؟ قال : تجمع عليه الجيران وتهول عليه . ص50 .
وروي عن جعفر بن محمد النسائي قال : سمعت أبا عبدالله سئل عن الرجل يمر بالقوم يغنون ؟ قال : إذا ظهر له ، هــم داخل ، قلت : لكن يسمع الصوت يسمع في الطريق ، قال : هذا ظهر عليه أن ينهاهم ، ورأى أن ينكر الطبل يعني إذا سمع حسه ، قيل : مررنا بقوم وقد أشرفوا من علية لهم ، وهم يغنون فجئنا إلى صاحب الخبر فأخبرناه ، فقال : ( لم تكلموا في الموضع الذي سمعتم ؟ فقيل : لا ، قال : كان يعجبني أن تكلموا ، لعل الناس كانوا يجتمعون وكانوا يشهرون ) ص 50/51 .
ومن ذلك ما ذكره ابن الجوزي في المنتظم قال : ( واجتمع في يوم الخميس رابع عشر المحرم خلق كثير مــــن الحربية ، والنصرية ، وشارع دار الرقيق ، وباب البصرة ، والقلائين ، ونهر طابق ، بعد أن أغلقوا دكاكينهم ، وقصـدوا دار الخلافة وبين أيديهم الدعاة والقراء وهم يلعنون أهل الكرخ – أي منكرين لبدعة إظهار شتم الصحابة التي وقعت من أهل الكرخ – واجتمعوا وازدحموا على باب الغربة ، وتكلموا من غير تحفظ في القول فراسلهم الخليفة ببعض الخدم أننا قد أنكرنا ما أنكرتم ، وتقدمنا بأن لا يقع معاودة , فانصرفوا ) 16/94 .
وأما ما وقع من شيخ الإسلام ابن تيمية فكثير جداً ، فمن ذلك :
ما ذكره خادم الشيخ إبراهيم الغياني قال : ( فبلغ الشيخ أن جميع ما ذكر من البدع يتعمدها الناس عند العمود المخلق الذي داخل ( الباب الصغير ) الذي عند ( درب النافدانيين ) فشد عليه وقام واستخار الله في الخروج إلى كسره ، فحدثني أخوه الشيخ الإمام القدوة شرف الدين عبدالله بن تيمية قال : فخرجنا لكسره , فسمع الناس أن الشيخ يخرج لكسر العمود المخلق ، فاجتمع معنا خلق كثير ) ص 10 رسالة بعنوان ناحية من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق محب الدين الخطيب .
وشواهد التاريخ لا تحصى كثرة ، والعاقل يعلم أن مثل هذه الوسائل السلمية للاحتجاج الجماعي إنما تتولد مــن النظام الاجتماعي نفسه ، ومن كون الإنسان اجتماعياً بطبعه ، يجتمع مع بني جنسه فيما يتفقون عليه فهو أمر لا يخلو منه عصر ، ولا يحتاج إلى فكر، وإنما تدفع إليه الحاجة ، والناس إذا توافقوا تعاونوا ، فالعجب ممن يظن أن هذه الوسائل حادثة ، ومن طرائف الأخبار أن شاباً ممن اعتاد على إلغاء عقله بتقليد حزبه ، ذكر له أن جماعة من الدعاة أقاموا تجمهراً حشد له الناس في خيمة كبيرة بهدف إظهار النكير لإضعاف المنكر ، وسئل هل يجيز هذا الأمر حزبه الذي يحرم التجمهر لأنه في زعمهم تشبه بالكفار ولم يفعله السلف ، قال هذا يجوز لأنه تحت الخيمة ن فقيل له أرأيت لو أزلنا الخيمة وكان ذلك كله في العراء ، قال لا يجوز حينئذ لأنه مظاهرة ، وعش تر ما لم تر !!!
الطريقة الثالثة التي سلكها المانعون لوسائل الاحتجاج السلمي هي :
وهي قاعدة سد الذرائع ، وقالوا إن هذه الوسائل غالباً ما تفضي إلى مفاسد أرجح من المصالح التي تبتغي بها ، وقد علم من دلائل الشريعة الكثيرة حظر ما يفضي إلى المفسدة ، ويكتفى في اعتبار ذلك بغالب الأحوال إذ هي مثار غالب الظن الذي تنبني عليه الأحكام .
وهذا الطريق أسلم حجة استدل بها على المنع ، غير أن المعلوم أن الذرائع تقدر بقدرها لا أكثر من قدرهـا ، ويجب عند العمل بهذه القاعدة ، أن يتوفر أمران :
الأول: العلم بأن الوسيلة هي حقاً ذريعة إلى مفسدة تربو على المصلحة ، لا أن يكون ذلك بناء على الوهم أو ضرب من الوسوسة أو بدافع الخوف النفساني المجرد أو بناء على أحوال يختلف فيها القياس والتمثيل .
الثاني : أن لا يتجاوز بالذريعة قدرها فيؤدي إلى تحريم المباح أو تفويت مصالح شرعية محققة ، فمثلاً إذا كان الاعتصام بغير إذن السلطة يفضي إلى مفسدة راجحة ، فلا يحرم ما كان حقاً مكفولاً بحكم القانون إلا إذا أفض إلى مثل ذلك ، وقس على ذلك .
وعليه ، وبناء على ما سبق ، فإن حكم ما يسمى وسائل الاحتجاج الجماعي من مظاهرات واعتصامـــات وإضرابات ومهرجانات خطابية ومسيرات .....الخ ، أنها تنقسم إلى ثلاثــة أقسام :
وأما المسلك الثاني : فالتاريخ الإسلامي حافل منذ العصور الأولى بشواهد القيام الجماعي لإنكار المنكر ، والعجب كــل العجب ممن ينكر هذا مع استفاضته ، ويَدَّعِى أن السلف لم يفعلوا شيئاً منه ، ومن ذلك :
أن الإمام أحمد رحمه الله كان يفتي بأن يجتمع الناس لإنكار المنكر للتهويل والتشهير بالمنكر وأهله ، فقــد روى الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن محمد بن أبي حرب قال : سألت أبا عبدالله عن الرجل يسمع المنكر في دار بعض جيرانه ، قال : يأمره , قلت : فإن لم يقبل ؟ قال : تجمع عليه الجيران وتهول عليه . ص50 .
وروي عن جعفر بن محمد النسائي قال : سمعت أبا عبدالله سئل عن الرجل يمر بالقوم يغنون ؟ قال : إذا ظهر له ، هــم داخل ، قلت : لكن يسمع الصوت يسمع في الطريق ، قال : هذا ظهر عليه أن ينهاهم ، ورأى أن ينكر الطبل يعني إذا سمع حسه ، قيل : مررنا بقوم وقد أشرفوا من علية لهم ، وهم يغنون فجئنا إلى صاحب الخبر فأخبرناه ، فقال : ( لم تكلموا في الموضع الذي سمعتم ؟ فقيل : لا ، قال : كان يعجبني أن تكلموا ، لعل الناس كانوا يجتمعون وكانوا يشهرون ) ص 50/51 .
ومن ذلك ما ذكره ابن الجوزي في المنتظم قال : ( واجتمع في يوم الخميس رابع عشر المحرم خلق كثير مــــن الحربية ، والنصرية ، وشارع دار الرقيق ، وباب البصرة ، والقلائين ، ونهر طابق ، بعد أن أغلقوا دكاكينهم ، وقصـدوا دار الخلافة وبين أيديهم الدعاة والقراء وهم يلعنون أهل الكرخ – أي منكرين لبدعة إظهار شتم الصحابة التي وقعت من أهل الكرخ – واجتمعوا وازدحموا على باب الغربة ، وتكلموا من غير تحفظ في القول فراسلهم الخليفة ببعض الخدم أننا قد أنكرنا ما أنكرتم ، وتقدمنا بأن لا يقع معاودة , فانصرفوا ) 16/94 .
وأما ما وقع من شيخ الإسلام ابن تيمية فكثير جداً ، فمن ذلك :
ما ذكره خادم الشيخ إبراهيم الغياني قال : ( فبلغ الشيخ أن جميع ما ذكر من البدع يتعمدها الناس عند العمود المخلق الذي داخل ( الباب الصغير ) الذي عند ( درب النافدانيين ) فشد عليه وقام واستخار الله في الخروج إلى كسره ، فحدثني أخوه الشيخ الإمام القدوة شرف الدين عبدالله بن تيمية قال : فخرجنا لكسره , فسمع الناس أن الشيخ يخرج لكسر العمود المخلق ، فاجتمع معنا خلق كثير ) ص 10 رسالة بعنوان ناحية من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق محب الدين الخطيب .
وشواهد التاريخ لا تحصى كثرة ، والعاقل يعلم أن مثل هذه الوسائل السلمية للاحتجاج الجماعي إنما تتولد مــن النظام الاجتماعي نفسه ، ومن كون الإنسان اجتماعياً بطبعه ، يجتمع مع بني جنسه فيما يتفقون عليه فهو أمر لا يخلو منه عصر ، ولا يحتاج إلى فكر، وإنما تدفع إليه الحاجة ، والناس إذا توافقوا تعاونوا ، فالعجب ممن يظن أن هذه الوسائل حادثة ، ومن طرائف الأخبار أن شاباً ممن اعتاد على إلغاء عقله بتقليد حزبه ، ذكر له أن جماعة من الدعاة أقاموا تجمهراً حشد له الناس في خيمة كبيرة بهدف إظهار النكير لإضعاف المنكر ، وسئل هل يجيز هذا الأمر حزبه الذي يحرم التجمهر لأنه في زعمهم تشبه بالكفار ولم يفعله السلف ، قال هذا يجوز لأنه تحت الخيمة ن فقيل له أرأيت لو أزلنا الخيمة وكان ذلك كله في العراء ، قال لا يجوز حينئذ لأنه مظاهرة ، وعش تر ما لم تر !!!
الطريقة الثالثة التي سلكها المانعون لوسائل الاحتجاج السلمي هي :
وهي قاعدة سد الذرائع ، وقالوا إن هذه الوسائل غالباً ما تفضي إلى مفاسد أرجح من المصالح التي تبتغي بها ، وقد علم من دلائل الشريعة الكثيرة حظر ما يفضي إلى المفسدة ، ويكتفى في اعتبار ذلك بغالب الأحوال إذ هي مثار غالب الظن الذي تنبني عليه الأحكام .
وهذا الطريق أسلم حجة استدل بها على المنع ، غير أن المعلوم أن الذرائع تقدر بقدرها لا أكثر من قدرهـا ، ويجب عند العمل بهذه القاعدة ، أن يتوفر أمران :
الأول: العلم بأن الوسيلة هي حقاً ذريعة إلى مفسدة تربو على المصلحة ، لا أن يكون ذلك بناء على الوهم أو ضرب من الوسوسة أو بدافع الخوف النفساني المجرد أو بناء على أحوال يختلف فيها القياس والتمثيل .
الثاني : أن لا يتجاوز بالذريعة قدرها فيؤدي إلى تحريم المباح أو تفويت مصالح شرعية محققة ، فمثلاً إذا كان الاعتصام بغير إذن السلطة يفضي إلى مفسدة راجحة ، فلا يحرم ما كان حقاً مكفولاً بحكم القانون إلا إذا أفض إلى مثل ذلك ، وقس على ذلك .
وعليه ، وبناء على ما سبق ، فإن حكم ما يسمى وسائل الاحتجاج الجماعي من مظاهرات واعتصامـــات وإضرابات ومهرجانات خطابية ومسيرات .....الخ ، أنها تنقسم إلى ثلاثــة أقسام :
القسم الأول : محرمة ، وذلك فيما لو كانت بقصد العنف المحرم – يستثنى ما يقع في أرض عدو محارب كفلسطين وغيرها ما لم يكن الضرر أعظم كما هو الحال في حكم الجهاد – أو كانت سلمية لكن يخشى إفضاؤها إلى عنف لعدم القدرة على السيطرة عليها ، أو كانت سلمية أيضاً لكنها متضمنة لما يمنع شرعاً كاختلاط محرم بين الرجال والنساء ، أو أدت إلى وقوع منكر أكبر ، أو ضرر يصيب المسلمين أو شعائر دينهم كما يفعل الملحدون الروافض في الحرم ، أو ضرر يلحق بالدعوة الإسلامية يربو علــى ما يتحقق بهذه الوسيلة من مصالح ، وغالباً ما تكون كذلك في الأنظمة التي لا تنص قوانينها على حق المواطنين في التعبير عن الاحتجاج بهذه الوسائل العصرية ، وهي في بلادنا الشرقية والعربية خاصة أكثر من غيرها .
القسم الثاني : مباحة ، وهي فيما إذا كانت السلطة تسمح بهذه الوسائل وتنظيمها للاتحادات والنقابات ونحوها فتستعمل للوصول إلى غرض مباح ، مثل زيادة الأجور أو تخفيف ساعات العمل أو الحصول على الحقوق المادية ونحو ذلك ، أو تأمــر بها الدولة لاستحثاث وسائل الإعلام لحماية مصالح مواطنيها في دولة أخرى أو إثارة قضية تخصها مثل الأسرى ونحو ذلك ، فهذه كلها مباحة ما لم تؤد إلى الوقوع في محظور كما في القسم الأول فتمنع .
القسم الثاني : مستحبة – أو واجبة بحسب الحال وما يراد تحقيقه بها - وذلك فيما إذا كان مقصدها مستحباً أو واجباً ، ومن أمثلة هذا النوع أن تكون في أرض العدو للضغط عليه للوصول إلى مصلحة شرعية للمسلمين ، كما كان فيما سمي ( مظاهرات الحجارة ) التي قصد بها الشعب الفلسطيني إثارة الرأي العالمي ضد جرائم اليهود بالمسلمين ، بغية تحريك القضيــة وفضح مكائد اليهود ، ولم يبلغنا أن أحداً من علماء المسلمين حرم تلك المظاهرات ، أو تكون للضغط على المحتل الكافر لإخراجه من البلاد كما كان يفعل المسلمون إبّان الاستعمار الذي عم البلاد الإسلامية ، أو كانت وسيلة للخروج على حاكم يجب الخروج عليه مع القدرة لظهور الكفر البواح ، وهذه فيما يخص مظاهرات العنف ، ويجب أن يراعى فيها أن لا تتعدى إلى الاعتداء على المسلمين أو تؤدي إلى ضرر عليهم راجح على مصالحها .
وأما السلمية فتدخل في هذا القسم إذا كانت في أنظمة تسمح بها وتجعلها حقاً للأفراد عبر منظمات لهم تسمى نقابات أو اتحادات ، فيسمح لهم القانون أن ينظموا إضراباً أو اعتصاماً أو مسيرة سلمية للحصول على مطالبهم فإذا كانت تلك المطالــب شرعية دعوية ، كان لهذه الوسيلة حكم مقصدها ، وهذا – أعني السماح بهذه الوسائل – قد يكون عرفاً سائداً لا قانوناً منصوصاً عليه ، فهذه كلها إذا خلت من محاذير أخرى فهي مستحبة – أو واجبة إذا لم يتم الواجب إلا بها وبحسب مقصدها – ، ولا مانع شرعاً البتة أن تستعمل لتحيق بعض أهداف الدعوة أو إنكار المنكر ، وكل ذلك ما لم تُفْضِ إلى الوقوع في منكر أكبر .
القسم الثاني : مباحة ، وهي فيما إذا كانت السلطة تسمح بهذه الوسائل وتنظيمها للاتحادات والنقابات ونحوها فتستعمل للوصول إلى غرض مباح ، مثل زيادة الأجور أو تخفيف ساعات العمل أو الحصول على الحقوق المادية ونحو ذلك ، أو تأمــر بها الدولة لاستحثاث وسائل الإعلام لحماية مصالح مواطنيها في دولة أخرى أو إثارة قضية تخصها مثل الأسرى ونحو ذلك ، فهذه كلها مباحة ما لم تؤد إلى الوقوع في محظور كما في القسم الأول فتمنع .
القسم الثاني : مستحبة – أو واجبة بحسب الحال وما يراد تحقيقه بها - وذلك فيما إذا كان مقصدها مستحباً أو واجباً ، ومن أمثلة هذا النوع أن تكون في أرض العدو للضغط عليه للوصول إلى مصلحة شرعية للمسلمين ، كما كان فيما سمي ( مظاهرات الحجارة ) التي قصد بها الشعب الفلسطيني إثارة الرأي العالمي ضد جرائم اليهود بالمسلمين ، بغية تحريك القضيــة وفضح مكائد اليهود ، ولم يبلغنا أن أحداً من علماء المسلمين حرم تلك المظاهرات ، أو تكون للضغط على المحتل الكافر لإخراجه من البلاد كما كان يفعل المسلمون إبّان الاستعمار الذي عم البلاد الإسلامية ، أو كانت وسيلة للخروج على حاكم يجب الخروج عليه مع القدرة لظهور الكفر البواح ، وهذه فيما يخص مظاهرات العنف ، ويجب أن يراعى فيها أن لا تتعدى إلى الاعتداء على المسلمين أو تؤدي إلى ضرر عليهم راجح على مصالحها .
وأما السلمية فتدخل في هذا القسم إذا كانت في أنظمة تسمح بها وتجعلها حقاً للأفراد عبر منظمات لهم تسمى نقابات أو اتحادات ، فيسمح لهم القانون أن ينظموا إضراباً أو اعتصاماً أو مسيرة سلمية للحصول على مطالبهم فإذا كانت تلك المطالــب شرعية دعوية ، كان لهذه الوسيلة حكم مقصدها ، وهذا – أعني السماح بهذه الوسائل – قد يكون عرفاً سائداً لا قانوناً منصوصاً عليه ، فهذه كلها إذا خلت من محاذير أخرى فهي مستحبة – أو واجبة إذا لم يتم الواجب إلا بها وبحسب مقصدها – ، ولا مانع شرعاً البتة أن تستعمل لتحيق بعض أهداف الدعوة أو إنكار المنكر ، وكل ذلك ما لم تُفْضِ إلى الوقوع في منكر أكبر .
وفي هذا الباب يحصل المسلمون في بلاد الغرب – حيث تنص غالب الدساتير علــى حقوق الشعـوب باستعمال هذه الوسائل - على كثير من حقوقهم ويخففون الأذى عليهم من أعداءهم ، مستغلين هذه الوسائل المسوح بها وإذاعة وسائل الإعلام لها لإيصال صوتهم إلى العالم ، وكل ذلك مشروع ما لم يفض إلى محرم أشد ضرراً .
هذا ، وتحقيق هذه الفتوى على الواقع ، يجتهد فيه أهل كل بلد ممن له أهلية ذلك لأنهم أعرف بأحوالهـم ، ولا عجب أن يفتي بتحريم هذه الوسائل مطلقاً من ينكر وجود سلطة في العالم تسمح لموطنيها بالاحتجاج العلني عليها ، ويقول حتى لو وجدت فلا تلبث أن تبطش بهم ، غير أنه لم يعد خافياً أن وجود مثل هذه القوانين التي تعطي الشعب حق الاعتراض والنقـــد العلني كحرية الصحافة وتنظيم وسائل الاحتجاج الجماعية ونحوها ، إنما يتحقق في الأنظمة التي تقوم علي فصل السلطات ، وفيها تكون السلطـة التنفيذية ما هي إلا سلطة واحدة من الدولة والشعب يشارك فيها بقوة القانون أيضاً ، وتشاركهم في اتخــاذ القرارات – بل هي المخولة أصلاً ـ ولها حق مراقبة الحكومة وتفرض عليها الخضوع للقوانين التي منها حقوق الرعيـــة بالتعبير عن رأيهم ، فحتى لو كرهت السلطة التنفيذية الإنكار عليها فإنها لا تستطيع أن تمنع ذلك وتتجاوز صلاحياتهـا ، حتى ربما استطاع الشعب عبر ممثليه أن يغير السلطة التنفيذية ، ويأتي بغيرها ، وكل ذلك يكثـــر وجوده في حكومات العالم الغربي حيث يعيش المسلمون هناك وربما احتاجوا إلى تلك الوسائل لحماية أنفسهم ودينهم ، وتوجد في بعض البلاد الإسلامية كذلك ، هذا والواجب أن يتعرف المفتي على هذا الواقع حتى يعلم تحقق قاعدة سد الذرائع في البلاد التي أفتى لأهلها بالمنع المطلق أم لا .
هذا ، وإنه لمن المقرر في أحكام الفتوى وآدابها أن لا يقصر المفتي نظره على البلاد التي يعيش فيها فحسـب ، ويرى العالم كله من خلالها ، ويبني الفتوى على ما يراه حوله فقط ، فإن هذا من شأنه أن يجعل الفتوى تأتي بضد مقصودها ، وقد حكيت لبعض أفاضل أهل العلم ما تسمح به البيئة الكويتية – على سبيل المثال – من وسائل لإنكار المنكرات علنية تطال أعلى السلطات وتعد في الكويت كالأعراف المعتادة لكل الناس ، ما صار بهم إلى الدهشة وكأنهم لم يسمعوا بذلك قط ، وقد نبهت إلى وجوب اطلاعهم على أحوال العالم الإسلامي ، قبل تصدير الفتوى لما في ذلك من الأهمية العظمى .
وقلت لهم إننا نعلم أن نظام الحكم الإسلامي قد كفل من وسائل تحقيق العدل ومنع الظلم وكفاية الرعية وحفظ الحقوق ، وإلزام السلطة بواجباتها عبر قنوات شرعية ، ما يجعله نظاماً مميزاً ، وأنه لا يجوز استبداله بالأنظمة الغربية ، غـير أن هذا الأصـل لا يعني أن لا ينظر المفتي إلى واقع الحال وحاجة الناس إلى تخفيف الشر وتحصيل الخير ما أمكن في غياب الإمامة الإسلامية العادلة ، وأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والبلاد والزمان والمكان .
هذا ، وتحقيق هذه الفتوى على الواقع ، يجتهد فيه أهل كل بلد ممن له أهلية ذلك لأنهم أعرف بأحوالهـم ، ولا عجب أن يفتي بتحريم هذه الوسائل مطلقاً من ينكر وجود سلطة في العالم تسمح لموطنيها بالاحتجاج العلني عليها ، ويقول حتى لو وجدت فلا تلبث أن تبطش بهم ، غير أنه لم يعد خافياً أن وجود مثل هذه القوانين التي تعطي الشعب حق الاعتراض والنقـــد العلني كحرية الصحافة وتنظيم وسائل الاحتجاج الجماعية ونحوها ، إنما يتحقق في الأنظمة التي تقوم علي فصل السلطات ، وفيها تكون السلطـة التنفيذية ما هي إلا سلطة واحدة من الدولة والشعب يشارك فيها بقوة القانون أيضاً ، وتشاركهم في اتخــاذ القرارات – بل هي المخولة أصلاً ـ ولها حق مراقبة الحكومة وتفرض عليها الخضوع للقوانين التي منها حقوق الرعيـــة بالتعبير عن رأيهم ، فحتى لو كرهت السلطة التنفيذية الإنكار عليها فإنها لا تستطيع أن تمنع ذلك وتتجاوز صلاحياتهـا ، حتى ربما استطاع الشعب عبر ممثليه أن يغير السلطة التنفيذية ، ويأتي بغيرها ، وكل ذلك يكثـــر وجوده في حكومات العالم الغربي حيث يعيش المسلمون هناك وربما احتاجوا إلى تلك الوسائل لحماية أنفسهم ودينهم ، وتوجد في بعض البلاد الإسلامية كذلك ، هذا والواجب أن يتعرف المفتي على هذا الواقع حتى يعلم تحقق قاعدة سد الذرائع في البلاد التي أفتى لأهلها بالمنع المطلق أم لا .
هذا ، وإنه لمن المقرر في أحكام الفتوى وآدابها أن لا يقصر المفتي نظره على البلاد التي يعيش فيها فحسـب ، ويرى العالم كله من خلالها ، ويبني الفتوى على ما يراه حوله فقط ، فإن هذا من شأنه أن يجعل الفتوى تأتي بضد مقصودها ، وقد حكيت لبعض أفاضل أهل العلم ما تسمح به البيئة الكويتية – على سبيل المثال – من وسائل لإنكار المنكرات علنية تطال أعلى السلطات وتعد في الكويت كالأعراف المعتادة لكل الناس ، ما صار بهم إلى الدهشة وكأنهم لم يسمعوا بذلك قط ، وقد نبهت إلى وجوب اطلاعهم على أحوال العالم الإسلامي ، قبل تصدير الفتوى لما في ذلك من الأهمية العظمى .
وقلت لهم إننا نعلم أن نظام الحكم الإسلامي قد كفل من وسائل تحقيق العدل ومنع الظلم وكفاية الرعية وحفظ الحقوق ، وإلزام السلطة بواجباتها عبر قنوات شرعية ، ما يجعله نظاماً مميزاً ، وأنه لا يجوز استبداله بالأنظمة الغربية ، غـير أن هذا الأصـل لا يعني أن لا ينظر المفتي إلى واقع الحال وحاجة الناس إلى تخفيف الشر وتحصيل الخير ما أمكن في غياب الإمامة الإسلامية العادلة ، وأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والبلاد والزمان والمكان .
0 التعليقات
إرسال تعليق