وسائل تقييد السلطة في الفقه الإسلامي على أساس مبدأ الحسبة :
وسوف نستعرض بعض الأدلة والنماذج من التاريخ للتأكيد على أن الفقه الإسلامي ، وضع أصول ووسائل تقييد السلطة والحسبة عليها قبل أن تعرفها النظم الوضعية بقرون .
وسأذكر على سبيل المثال أربع وسائل :
الوسيلة الأولى : وسيلة محاسبة أهل العقد والحل للحاكم :
ومن ذلك ما ذكره ابن القيم في أعلام الموقعين (أن عمر رضي الله عنه وقف في الناس وعليه ثوبان فقال : أيها الناس ألا تسمعون ؟ فقال سلمان الفارسي : لا نسمع ، فقال عمر : ولم يا أبا عبدالله ؟ ، قال : إنك قسمت علينا ثوباً ثوباً وعليك ثوبان ، فقال لا تعجل ، يا عبدالله ، يا عبدالله ، فلم يجبه أحد ، فقال يا عبدالله بن عمر ، فقال : لبيك يا أمير المؤمنين , فقال : نشدتك الله الثوب ائتزرت به أهو ثوبك ، قال : نعم ، اللهم نعم ، فقال سلمان : أما الآن فقل نسمع ) (2/180) .
ويبدو لي – بغض النظر عن مدى صحة إسناد هذه القصة حيث لا أعلم درجته من حيث الرواية – لكن استئناساً بنقل العلماء لهذه القصة مقرين لها مستدلين بها على مبدأ محاسبة الحاكم مما يدل على سلامة المبدأ من حيث الجملة علماً بأن الأدلة على ذلك أكثر من أن تحصر أصلاً ، يبدو لي أنه ليس مقصود ( سلمان ) رضي الله عنه إباحة التمرد على السلطة ، وشق وحدة الأمة بسبب أدنى مخالفة ، بل مقصوده – والله أعلم – الإيماء إلى حقيقة أن الإخلال بالمبادئ من قبل الحاكم سيؤدي إلى إخلال الرعية بالطاعة وهذه قاعدة لا تتخلف قدراً أيضاً ، وذلك من الميزان الذي وضعه الله تعالى وأنزل به الكتاب ، وهذا من عظيم الفقه الذي تميز به سلف هذه الأمة حيث كانوا يعبرون عن المعاني والمفاهيم الكبيرة العظيمة بأوجز الألفاظ أو بالمواقف أحياناً ، وكما قال ذلك الصحابي الجليل لعمر رضي الله عنه لما تعجب من تبليغ المسلمين الأموال العظيمة القدر من الغنائم غير منقوصة بريئة من الخيانة ، فقال له تقريراً للقاعدة السالفة : (عففت يا أمير المؤمنين فعفت الرعية ) .
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (ولهذا كان أولوا الأمر هم العلماء والأمراء إذا صلحوا صلح الناس ، وإذا فسدوا فسد الناس ، ولما سألت الأحمسية أبا بكر الصديق ما بقاؤنا على هذه الأمر ، قال : ما استاقمت لكم أئمتكم ) انتهى ، وإنما تعني بـ (الأمر ) استقامة الحال وصلاح الأحوال واجتماع الشمل وانتشار العدل خلاف ما كانوا عليه في الجاهلية ، فبين لها أن ذلك مرهون باستقامة ولاة الأمر ، ولهذا قال من قال من العلماء لو كان لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان ، لأن في صلاحه صلاح الناس ، كما قيل ( الناس على دين ملوكها ) ، وهو أمر معلوم بضرورة العقل وشهادة الواقع والحس ، ومن الخطأ الشائع الظن أن فساد السلطة نتيجة لفساد الرعية ، والعكس أولى بالصواب ، غير أن الرعية تعاقب على سكوتها عن ظلم السلطــان ، ورضاها به ، باستدامة ذلك الظلم عليهم جزاء وفاقاً ، ولا يظلم ربك أحداً .
ذلك أن السكوت على ظلم الظالم من أعظم أسباب عقوبة الله تعالى ، وقد ورد فيه حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم (رواه الترمذي وفيه أيضاً حديث الصديق رضي الله عنه مرفوعاً ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ) رواه أبو داود والترمذي .
ولهذا ورد في السنة كما في صحيح مسلم أن من الخِلال الحسنة في الروم كونهم أمنع الناس لظلم الملوك ، ولما كانت هذه الخُلة الجميلة فيهم ، لا يكاد يسلط عليهم ظالم من أنفسهم يستبيحهم كما يحدث عند غيرهم .
وسوف نستعرض بعض الأدلة والنماذج من التاريخ للتأكيد على أن الفقه الإسلامي ، وضع أصول ووسائل تقييد السلطة والحسبة عليها قبل أن تعرفها النظم الوضعية بقرون .
وسأذكر على سبيل المثال أربع وسائل :
الوسيلة الأولى : وسيلة محاسبة أهل العقد والحل للحاكم :
ومن ذلك ما ذكره ابن القيم في أعلام الموقعين (أن عمر رضي الله عنه وقف في الناس وعليه ثوبان فقال : أيها الناس ألا تسمعون ؟ فقال سلمان الفارسي : لا نسمع ، فقال عمر : ولم يا أبا عبدالله ؟ ، قال : إنك قسمت علينا ثوباً ثوباً وعليك ثوبان ، فقال لا تعجل ، يا عبدالله ، يا عبدالله ، فلم يجبه أحد ، فقال يا عبدالله بن عمر ، فقال : لبيك يا أمير المؤمنين , فقال : نشدتك الله الثوب ائتزرت به أهو ثوبك ، قال : نعم ، اللهم نعم ، فقال سلمان : أما الآن فقل نسمع ) (2/180) .
ويبدو لي – بغض النظر عن مدى صحة إسناد هذه القصة حيث لا أعلم درجته من حيث الرواية – لكن استئناساً بنقل العلماء لهذه القصة مقرين لها مستدلين بها على مبدأ محاسبة الحاكم مما يدل على سلامة المبدأ من حيث الجملة علماً بأن الأدلة على ذلك أكثر من أن تحصر أصلاً ، يبدو لي أنه ليس مقصود ( سلمان ) رضي الله عنه إباحة التمرد على السلطة ، وشق وحدة الأمة بسبب أدنى مخالفة ، بل مقصوده – والله أعلم – الإيماء إلى حقيقة أن الإخلال بالمبادئ من قبل الحاكم سيؤدي إلى إخلال الرعية بالطاعة وهذه قاعدة لا تتخلف قدراً أيضاً ، وذلك من الميزان الذي وضعه الله تعالى وأنزل به الكتاب ، وهذا من عظيم الفقه الذي تميز به سلف هذه الأمة حيث كانوا يعبرون عن المعاني والمفاهيم الكبيرة العظيمة بأوجز الألفاظ أو بالمواقف أحياناً ، وكما قال ذلك الصحابي الجليل لعمر رضي الله عنه لما تعجب من تبليغ المسلمين الأموال العظيمة القدر من الغنائم غير منقوصة بريئة من الخيانة ، فقال له تقريراً للقاعدة السالفة : (عففت يا أمير المؤمنين فعفت الرعية ) .
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (ولهذا كان أولوا الأمر هم العلماء والأمراء إذا صلحوا صلح الناس ، وإذا فسدوا فسد الناس ، ولما سألت الأحمسية أبا بكر الصديق ما بقاؤنا على هذه الأمر ، قال : ما استاقمت لكم أئمتكم ) انتهى ، وإنما تعني بـ (الأمر ) استقامة الحال وصلاح الأحوال واجتماع الشمل وانتشار العدل خلاف ما كانوا عليه في الجاهلية ، فبين لها أن ذلك مرهون باستقامة ولاة الأمر ، ولهذا قال من قال من العلماء لو كان لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان ، لأن في صلاحه صلاح الناس ، كما قيل ( الناس على دين ملوكها ) ، وهو أمر معلوم بضرورة العقل وشهادة الواقع والحس ، ومن الخطأ الشائع الظن أن فساد السلطة نتيجة لفساد الرعية ، والعكس أولى بالصواب ، غير أن الرعية تعاقب على سكوتها عن ظلم السلطــان ، ورضاها به ، باستدامة ذلك الظلم عليهم جزاء وفاقاً ، ولا يظلم ربك أحداً .
ذلك أن السكوت على ظلم الظالم من أعظم أسباب عقوبة الله تعالى ، وقد ورد فيه حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم (رواه الترمذي وفيه أيضاً حديث الصديق رضي الله عنه مرفوعاً ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ) رواه أبو داود والترمذي .
ولهذا ورد في السنة كما في صحيح مسلم أن من الخِلال الحسنة في الروم كونهم أمنع الناس لظلم الملوك ، ولما كانت هذه الخُلة الجميلة فيهم ، لا يكاد يسلط عليهم ظالم من أنفسهم يستبيحهم كما يحدث عند غيرهم .
ولا ريب أن في التاريخ نماذج كثيرة غير أننا نكتفي بهذا المثال ، ولا ريب أن جميع الوسائل العصرية – حتى لو كانت مقتبسة في الأصل من غير المسلمين – إذا لم تكن محرمة لذاتها وصارت وسيلة لتحقيق مبدأ محاسبة أهل الحل والعقد للحاكم ، لضمان عدم انحراف السلطة ، إنها مشروعة ومطلوبة في الفقه الإسلامي السياسي .
ولعل الشريعة قد أومأت إلى هذا المبدأ النافع العظيم ، في فقه الصلاة نفسها ، والتي هي عمود هذا الدين ، ومعلوم أن الصلاة نموذج يشير إلى علاقة السلطة بالرعية ، وقد فهم الصحابة رضي الله عنهم هذه العلاقة عندما قالوا عن الصديق (اختـاره النبي صلى الله عليه وسلم لِدِيِنِنَا أفلا نختاره لدنيانا ) وقد ذكر غير واحد من العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى تولية الصديق الخلافة ، بتأكيد على توليته إمامة الصلاة ، وذلك من باب القياس والاعتبار .
ثم انك إذا اعتبرت ذلك فقها ، علمت ما أوتيه صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من الفقه العميق ، والنظر الدقيق ، وبيانه أننا وجدنا الإمام في الصلاة ، يليه أولو الأحلام والنهى كما قد صح في الحديث ، وهم بإزاء أهل الحل والعقد في النظام السياسي .
وعلى المأمومون أن يختاروا لإمامتهم أقومهم بأمر الصلاة كما صح في الأحاديث ، وكذلك الأمة تختار للإمامة العظمى أقومها بها بصيرة في الدين وقوة في سياسة الدنيا به ، كما قال تعالى (أُوْلِى الأَيْدِي وَالأَبْصَار ) .
ثم الإمام مقيد بأداء الصلاة كما في الشرع ، ليس له أن يتجاوز ذلك ، وكذلك الإمام في النظام السياسي مقيد بممارسة مهامه وفق الشريعة ليس له أن يتجاوز ذلك ، فإذا بدر من الإمام خطأ في الصلاة نُبِّه على ذلك – علناً لا سراً – ممن يليه وهو مقصود اختيارهم لهذا الموضع ، وذلك لأن الخطأ هنا يتعدى لغيره وليس قاصراً على نفسه حتى يسر إليه بالنصيحة ، وكذلك في النظام السياسي ، يوضع أهل الحل والعقد وراء الإمام لينبهوه إذا أخطأ ، فإن فعل ما يقتضي بطلان الصلاة عامداً فارقه المصلون إذ قد بطلت صلاته ، وكذلك في النظام السياسي إن أبطل الشريعة (دستور الدولة الإسلامية ) .
فهذا بازاء هذا ، وذاك بإزاء ذلك ،( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً )، فتدير عظمة هذا الدين والله الموفق.
0 التعليقات
إرسال تعليق