| 0 التعليقات ]


بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيه الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
لم أكن أبدا أظن بأني سأحتاج إلى جمع الأدلة من أجل البرهنة على مشروعية ما لا برهان على عدم مشروعيته ..!
عندما بدأت في تقرير حقيقة تدركها حتى ربات الخدور المخبئات أيقنت بالفعل أن توضيح الواضحات من أصعب المهمات ..!
لقد راج بين الناس اليوم أقوال وفتاوى تزعم حرمة التظاهر ضد هذه الأنظمة المبدلة لشرع الله والموالية لأعداء الله ..
والحقيقة أن هذه الفتاوى التي أراد لها الحكام أن تروج وتنتشر لا تستمد حجيتها من وضوح الدليل وقوة البرهان ..
بل تعتمد على التقليد المحض للهيئات الدينية والشيوخ المعروفين دون التحقيق والبحث فيما يقولون، والناس إنما يتقبلون أقوالهم من باب الثقة وإحسان الظن بهم، وذلك باب من أبواب انتشار التأويلات الباطلة والأقوال المنحرفة .
قال ابن القيم في بيان أسباب قبول التأويل الفاسد:
( السبب الثالث: أن يَعْزُو المتأوِّلُ تأويلَه إلى جليلِ القَدْر، نبيلِ الذِّكر، مِن العقلاء، أو مِن آل بيت النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو مَن حصل له في الأمَّة ثناءٌ جميل ولسانُ صِدق؛ ليُحلِّيه بذلك في قلوب الجُهَّال، فإنَّه من شأن الناسِ تعظيمُ كلامِ مَن يَعظُمُ قدْرُه في نفوسهم، حتى إنَّهم لَيُقدِّمون كلامَه على كلام الله ورسوله، ويقولون: هو أعلمُ بالله منَّا!
وبهذا الطريق توصَّل الرافضةُ والباطنيَّةُ والإسماعليَّةُ والنُّصيريَّة إلى تنفيقِ باطلهم وتأويلاتِهم حين أضافوها إلى أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لِمَا علموا أنَّ المسلمين متَّفقون على مَحبَّتِهم وتعظيمِهم، فانتمَوا إليهم وأظهروا مِن مَحبَّتِهم وإجلالهم وذِكر مناقبهم ما خُيِّل إلى السَّامع أنَّهم أولياؤهم، ثم نفقوا باطلَهم بنسبتِه إليهم.
فلا إله إلاَّ الله! كم مِن زندقَةٍ وإلحادٍ وبدعةٍ قد نفقت في الوجود بسبب ذلك، وهم بُرآءُ منها.
وإذا تأمَّلتَ هذا السَّببَ رأيتَه هو الغالب على أكثر النفوس، فليس معهم سوى إحسان الظنِّ بالقائل، بلا بُرهان من الله قادَهم إلى ذلك، وهذا ميراثٌ بالتعصيب من الذين عارضوا دين الرُّسل بما كان عليه الآباء والأسلاف، وهذا شأنُ كلِّ مقلِّدٍ لِمَن يعظمه فيما خالف فيه الحقَّ إلى يوم القيامة ) مختصر الصواعق المرسلة (1/90).
ولم يكتف هؤلاء الشيوخ بمنع التظاهر ضد الحكام بل أثنوا عليهم أحسن الثناء وبالغوا في المديح لهم والإطراء وفي الوقت نفسه تغاضوا عن مساوئهم وجرائمهم الشنعاء ..
وقد كان أهل العلم قديما لا يذكرون هؤلاء الظلمة بالثناء أو المديح ..وإنما يصرحون بذمهم إذا أمنوا ويلوحون به إذا خافوا ..
ولم ينقل عنهم شيء في الثناء تلويحا أو تصريحا ..
قال ابن خلكان في ترجمة أبي الحسن عليّ بن محمد الملقّب عماد الدّين، المعروف بالكيا الهرّاسي الشّافعيّ :
(وسئل إلكيا عن يزيد بن معاوية فقال: إنّه لم يكن من الصّحابة، لأنّه ولد في أيّام عمر ابن الخطّاب - رضي الله عنه - وأمّا قول السّلف؛ ففيه لأحمد قولان: تلويح وتصريح، ولمالك قولان: تلويح وتصريح، ولأبي حنيفة قولان: تلويح وتصريح، ولنا قول واحد: تصريح دون تلويح. كيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد، والمتصيّد بالفهود، ومدمن الخمر، وشعره في الخمر معلوم، ومنه قوله:
أقول لصحب ضمّت الكأس شملهم *** وداعي صبابات الهوى يترنّم
خذوا بنصيب من نعيم ولذّة  ***   فكلّ وإن طال المدى يتصرّم
وكتب فصلاً طويلاً، ثمّ قلب الورقة وكتب: لو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرّجل؛ وكتب فلان ابن فلان) (وفيات الأعيان 3/251) .
وكان عمر ابن عبد العزيز يعاقب من يسمي يزيدا أمير المؤمنين ..
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب :
 (وقال يحيى بن عبدالملك بن أبي غنية أحد الثقات ثنا نوفل بن أبي عقرب ثقة قال كنت عند عمر بن عبد العزيز فذكر رجل يزيد بن معاوية فقال قال أمير المؤمنين يزيد فقال عمر تقول أمير المؤمنين يزيد !! وأمر به فضرب عشرين سوطا) تهذيب التهذيب - (11 / 317)
والقصة رواها أيضا الذهبي في سير أعلام النبلاء - (4 / 40)
ولا شك أن يزيدا أفضل من عملاء الغرب في زماننا وأن من يسميهم ولاة الأمر أشنع جرما ممن يسمي يزيدا أمير المؤمنين ..
تتغير صورة أهل العلم تماما عندما يحاولون تغيير الدين بجعله خادما لمصالح الأنظمة !
وهم في هذه المهمة قد يجعلون الحرام حلالا، والحلال حراما ..
والطاغية بطلا مقداما .. والضحية صعلوكا هداما ..!
وليس من الصدفة أن يكون أصحاب الفتاوى المحرمة للمظاهرات هم أصحاب المناصب العلية والألقاب السامية التي خلعها عليهم النظام عندما اختاروا عناقه في مسيرته الحافلة بالطغيان والإجرام ..
وكما قام النظام بتجميلهم بهذه الألقاب والمناصب فقد قاموا هم أيضا بتلميعه وتحسين صورته .. فكانوا مجرد لوحة (دينية) في بيت النظام تمكنت لفترة طويلة من إخفاء صورته البشعة ..
واليوم وبعد أن سقطت الأقنعة وبانت حقيقة الأنظمة وتحركت الجماهير من أجل الخلاص منها ومن ظلمها وجبروتها وتسلطها قام الجهاز الأمني- الديني بالترويج للفتاوى المحرمة للمظاهرات على أساس أنها هي رأي الدين !
والمحصلة النهائية لهذه الفتاوى أن الإسلام يحرم التظاهر ضد حكام حاربوا شرع الله ووالوا أعداء الله وفتحوا بلاد المسلمين أمام الغزاة الأمريكيين وأعانوهم على سفك الدماء ونهب الثروات وانتهاك الأعراض !!!
وقد كتبت هذه السطور من أجل بيان ما في تلك الفتاوى من الزيف والتحريف وأنها من القول على الله بغير علم .
ونسأل الله تعالى العون والسداد ونسأله أن يرزق أصحاب هذه الفتاوى التوبة ويعصمهم من الإصرار والعناد .
أبو المنذر الشنقيطي

0 التعليقات

إرسال تعليق