| 0 التعليقات ]

الوسيلة الرابعة : وسيلة استعمال جماعات الضغط في المجتمع :

والمقصود بهذه الوسيلة أن تستغل جماعات الضغط ( وهي التكتلات التي تخشى السلطة من ردة فعلها إذا تعدت السلطة صلاحياتها أو قصرت في واجبها ، ويكون لهذه التكتلات التي توجد في كل مجتمع قدرة على التأثير في السلطة ، وربما كانت هـذه التكتلات أحزاباً فكرية أو جبهة من العلماء الذين لهم ما يسمى هذه الأيام ( سلطة روحية ) على الشعب وقد تكون منافسة لسلطة الدولة ، وربما كانت أقوى من سلطة الدولة في بعض الأحيان ، أو طوائف مهنية أو مذهبية .. الخ ) تستغل جماعات الضغط موقعها للرقابة وتقييد السلطة ، وقد ورد في التاريخ الإسلامي كثير من النماذج التي تدل على وعي العلماء بأهمية هذه الوسيلة للرقابة على الحكام والقيام بواجب الحسبة عليهم :

فمن ذلك :

ما ذكره ابن الجوزي في المنتظم قال في حوادث سنة 464هـ ، قال : ( وفي جمادى الآخرة لقي أبو سعد بن أبي عمامة مغنية قد خرجت من عند تركي بنهر طابق فقبض على عودها وقطع أوتاره ، فعادت إلى التركي فأخبرته ، فبعث التركي إليه من كبس داره وأفلت ، وعبر إلى الحريم إلى بن أبي موسى الهاشمي شاكياً ما لقي ، واجتمع الحنابلة في جامع القصر من الغد فأقاموا فيه مستغيثين ، وأدخلوا معهم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي وأصحابه ، وطلبوا قلع المواخير وتتبع المفسدات ومن يبيع النبيذ وضرب دراهم المعاملة بها عوض القراضة ، فتقدم أمير المؤمنين بذلك ، فهرب المفسدات ، وكبست الدور ، وارتفعت الأنبذة ، ووعد بقلع المواخير ومكاتبة عضد الدولة برفعها ، والتقدم بضرب دراهم يتعامل بها ، فلم يقتنع أقوام منهم بالوعد ، وأظهر أبو إسحاق الخروج من البلد فروسل برسالة سكتته ) (16/139) .

ويستفاد من هذه الحادثة عناية العلماء برسالة الإصلاح في المجتمع ، سواء كانت إصلاح الأخلاق أو الاقتصاد كمـا يدل على ذلك تقدمهم بإصلاح نظام النقد ، كما يستفاد منها تعاون العلماء والمصلحين فيما يتفقون عليه – بالرغم من الخلاف المشهور بين الحنابلة والشافعية – لتحقيق المصلحة العامة للإسلام ، واستعمالهم وسيلة الاعتصام إذا أمنت الفتنة والمفســدة الراجحـة ، وحققت مصلحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

هذا وقد سألت – دحضاً لمن يزعم الإجماع على تحريم هذه الوسيلة مع أن الإجماع بعد العصر الأول متعذر أصلاً – الشيخ العلامة الفقيه محمد بن سليمان الأشقر في شهر جمادى الآخرة 1419هـ في مجلسنا أثناء دعوة شرفنا بقبولها أثناء زيارتـه للكويت لحضور مؤتمر الطب الإسلامي ، وسجل في شريط أصدره مركز صوت الحق الإسلامي بعنوان : (صوت الحق مع الشيـــخ محمد الأشقر ) ، عن استعمال هذه الوسيلة لتحقيق مصالح شرعية إذا كانت الأحوال المقترنة بها ترجح منفعتها على المفسدة ، وأنقل هنا نص الحوار مختصراً ، استئناساً برأي هذا الفقيه الكبير .


السؤال :( هنا سؤال حدث بسببه خلاف في الكويت ونطرحه عليكم ، أحياناً تكون الدعوة الإسلامية في بلد ذي نظام فيه ما يسمى (مؤسسات ديمقراطية ) وما يسمى معارضة وحرية صحافة وحرية التعبير عن الرأي .... وبعض الناس يقــــول يجوز للمسلمين أن يعبروا عن آرائهم بطرق الاحتجاج التي يسمح بها النظام ، إذا كانوا اتحاد عمال أو نقابة مثـلاً ، ينظمــون أحزاباً حسب النظام للتعبير عن المطالبة بحقوقهم وأن هناك فرق بين الوجود في هذا النظام والوجود في نظام الحكم الإسلامي وأن الأحكام تختلف باعتبار تعارض المصالح والمفاسد ، مثل عندنا في الكويت الصحافة حرة ، لها انتقاد الوزراء علناً وتنتقد الحكومة علناً ويوجد عندنا اتحادات ونقابات لها الحق أن تعترض وتطال بالحقوق عبر قنوات محددة مثل تنظيم إضراب ، وبعض الناس من اعترض وقـال إنه تشبه بالكفار ، وهو أن تستعمل النقابة أو الاتحاد لتنظيم إضراب لتطالب بحقوق العمال أو اتحاد طلبة مثلاً ينظم إضــراب أو اعتصام ببعض الحقوق أو يعترض على بعض القوانين ؟ ) .

قال الشيخ : ما هو الإشكال ، ولماذا يسمى عمل الكفار ؟

قلت : يقولون إنه تشبه بالكفار ، فهم الذين جاءوا بهذا النظام الديمقراطي .

قال : وليكن ؟ ماذا في ذلك ؟ إذا أتيح لنا أن نبين الحق من الباطل وننتقد ، هل يكون من عمل الكفار .

قلت : من جهة أخرى يقولون إن هذا الحاكم يجب أن ينصح سراً ، أنت ليس لك الحق أن تظهر مثلاً تجمهر؟

قال : لكن الحاكم قبل بذلك ، يقول نحن دولة ديمقراطية انتقدوني ما شئتم .

قلت : يقولون : هو قابل بخلاف الشرع ، المفروض أنه لا يقبل ( ضحك من الحضور والشيخ ) .

وقال: والله لست أفهم !!

وقلت : يعني مثلاً نظم اتحاد الطلبة اعتصاماً سلمياً للمطالبة بتعديل بعض نظام المقررات مثلاً ، يجتمعون في ساحة الكلية ويخطب بعضهم ويرفعون بياناً للمطالبة ؟

قال : ما المانع من هذا ؟

قلت : هم يقولون : فليذهب شخص واحد للمسؤول وينصحه سراً هذا هو منهج السلف؟


قال : ليس بصحيح أنه منهج السلف ، ذلك في أمور فيها غض على فاعلها ، مثل أن يرتكب جريمة أو يشرب خمراً ، فهـذا أنصحه بيني وبينه ، لئلا أفضحه ، أما هذه الأمور الظاهرة فليس فيها فضيحة ، فنحن عندما يخطئ الإمام ( يعني في الصلاة ) ألسنا ننصحه على رؤوس الأشهاد ، لكن لو كان في أمور فيها غض منه ، مثل لو ذكر علانية فيه فضيحة فلا .

قلت : الاحتجاج بأن الشيء لم يكن في عصر السلف ، فإذن هو حرام ، هل هي حجة سليمة ؟

قال : لا ليست هذه القاعدة سليمة على إطلاقها .

ثم سأل بعض الحاضرين هذا السؤال : لكن أليست المظاهرات بذرة صغيرة للخروج على الحاكم وتهييج العامة البسطاء الذين لا عقول لهم وزجهم بمظاهرة .

قال : المظاهرة إذا كان يخشى منها وجود ناس يريدون استغلالها ، طبعاً سد الذرائع هذا مطلوب ، لكن طلبة الجامعة يعلمون أنهم لا يريدون فعل شيء ، يقولون : ننظم اعتصاماً ونكتب عريضة ونرفعها ونذهب إلى الدراسة .

قال السائل : الاعتصام قد يكون سلمياً لكن المظاهرة قد تكون غوغائية ؟

قال الشيخ : المظاهرات قد تكون مسيرات أحياناً ، تكون في بلاد تنظمها وتعتني بها ولا تدع مجالاً للفوضى ، لكن إذا كان يخشى أن تتطور إلى أضرار ونحو ذلك لا تعمل ، الأمور تقدر بقدرها ، وسد الذرائع تقدر بقدرها ، ليس بأكثر من قدرها .

قال السائل : إن كانت سلمية تجوز ؟

قال الشيخ : إذا كانت سلمية وجربت وما حصل شيء وعرف أن أهل هذه المنطقة أنهم مسالمون ، أما إذا يخشى منه نتركه .

السائل : يقال أن السلمية قد يندس فيها رجل مخرب ثم يفجر داخلها .

قال : وحتى الناس في بيوتهم ، لو نحن جالسون وواحد فعل شيئاً هل يعني لا أحد يجتمع !

تعقيب من أحد الحضور : وقد يقع ذلك في المسجد .

قال الشيخ : نعم والمسجد .

قلت سائلاً : هل يجوز استعمالها كوسائل للدعوة إذا كانت نافعة مثل بعض الدول إذا لم يقوموا بمظاهرات تهضم حقوقهم مثل ما سمعنا في الهند أو غيرها ؟

قال : لا شيء في ذلك ، هذه وسائل ، والوسائل بابها واسع ، الوسيلة التي تؤدي إلى خير ، هي خير ، والتي تؤدي إلى شر شر .

قلت سائلاً : يقولون توقيفية ؟

قال ( لا ليس بصحيح ، التضييق لهذه الدرجة لا يصح ، عندما نقول الأمور التي ليست على عهد السلف هذا في أمور العبادات أما أمور الدنيا هذه لا نهاية لها ..) انتهى المقصود نقله من الشريط ، وليرجع القارئ إلى المصدر في مركز صوت الحق .



0 التعليقات

إرسال تعليق